بعد فوز ترامب.. الثابت والمتغير في السياسة الأمريكية
أفادت وکالة آنا الإخباریة، المؤسف أن الحديث عن وجود اختلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ازاء العالم الاسلامي، تأخذه بعض نخبنا السياسة بجدية، بينما مثل هذا الحديث لا يصمد أمام الواقع المر الذي عاشه ويعيشه المسلمون منذ الحرب العالمية الثانية، فبوصلة السياسة الامريكية على مدى ثمانية عقود كانت ومازالت ثابتة، بعد ان ارتبطت المصلحة الامريكية بالمصلحة الصهيونية الى الحد الذي بات من العبث التمييز بين المصلحتين، ومن ثم بين السياستين، ولا اثر في هذه السياسة، لمصلحة عربية او اسلامية، بل على العكس تماما، لطالما جندت امريكا المصالح العربية لخدمة مصلحة الكيان الاسرائيلي.
لذلك لا تجد مرشحا جمهوريا او ديمقراطيا، يمكنه ان يخوض معترك الانتخابات الرئاسية، بدون تزكية من اللوبي الصهيوني، صاحب النفوذ الطاغي في الحياة الامريكية بشتى مناحيها، وان المرشحين هاريس وترامب لم يكونا استثناء في هذه القاعدة، فقد راينا كيف كانا يتنافسان في كسب ود اللوبي الصهيوني في امريكا، فكلاهما كان يعلنان عن دعمهما المطلق ل"حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وهو حق تحول الى "حق ابادة الشعب الفلسطيني" امام مرى ومسمع العالم، الذي لم يملك الجرأة ليقول كلمة لا ل"اسرائيل" خوفا من امريكا.
رغم ان بايدن، الذي شغلت هاريس منصب نائبة الرئيس في إدارته، أعلن اكثر من مرة "انه صهيوني" وانه "ليس من الضروري ان تكون يهوديا حتى تكون صهيونيا"، ورغم انه شارك وبشكل مباشر في اكبر ابادة جماعية شهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم انه عطل القانون الدولي والمحافل الدولية، ليطلق يد "اسرائيل" لتفعل الافاعيل في غزة ولبنان، دون رادع او مانع، ورغم انه سخّر كل امكانيات امريكا المادية والاقتصادية والعسكرية والسياسية ، و..، في خدمة "اسرائيل"، ورغم انه أرسل كل ما يمتلك من اساطيل وحاملات طائرات وطائرات وجنود و..، الى الشرق الاوسط، لمنع أي دولة او فصيل مقاوم يحاول الضغط على الكيان الاسرائيلي، ومنعه من قتل اطفال ونساء غزة، ولكن رغم كل ذلك رأينا كيف شكك ترامب والجمهوريون، بدعم بايدن وهاريس والديمقراطيين المطلق ل"اسرائيل"، وطالبوا بدعم أكبر و اوسع، بل طالبوا باطلاق يدها في ضرب جميع دول محور المقاومة.
لا نحتاج لعناء كبير لإثبات أن الجمهوريين والديمقراطيين، أو بالأحرى ترامب وهاريس، وهما وجهان لعملة واحدة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، ان فكرة اقامة شرق اوسط جديد تكون فيه "اسرائيل" الامر الناهي فيه، كان قد طرحها الجمهوريون، بينما تولى الديمقراطيون محاولة تطبيقها على ارض الواقع. وما يحدث اليوم في غزة ولبنان، الا وجه من اوجه هذه المحاولة. كما ان اتفاقيات ابراهام التطبيعية، قادها ترامب خلال فترة رئاسة الاولى، الا ان بايدن وهاريس، حاولا توسيعها وادخال السعودية ودول عربية اخرى اليها، والهدف هو تصفية القضية الفلسطينية ومحوها من ذكراة الشعوب العربية والاسلامية.
ترامب اعترف بالقدس عاصمة الكيان الاسرائيلي، واعترف بضم الجولان السوري المحتل الى الكيان الاسرائيلين بينما بايدن وهاريس، ارتكبا جرائم لا تقل فظاعة عن جرائم ترامب، عندما شاركا في قتل وجرح وتجويع وتشريد اكثر من مليوني نصف مليون فلسطيني في غزة، لدفع الفلسطينيين للتوجه الى سيناء، وافساح المجال للمستوطنين الصهاينة لاقامة مستوطنات في غزة. كما اطلاقا يد حكومة نتنياهو والمستوطنيين للاعتداء على الفلسطينيين في الضفة الغربية بهدف إرعابهم وارهابهم والضغط عليهم لدفعهم لترك ارضهم والنزوح صوب الاردن.
هناك اساس ثابت في السياسة الامريكية، يتمثل بالدعم المطلق واللامحدود للكيان الاسرائيلي، في جميع الظروف والاوقات، ولا استثناء في هذه القاعدة، وهناك جوانب من هذه السياسة، هي جوانب متحركة، وفقا للمصلحة الامريكية، التي تدخل في نطاقها المصلحة الاسرائيلية، مثل التعامل بطريقة خشنة او ناعمة وفق الظروف، مع كل من يمكن ان يفكر في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي.
الرهان على هوية من يدخل البيت الابيض هو رهان خاسر، الرهان الرابح والوحيد، الموجود امام شعوب المنطقة وخاصة الشعبين الفلسطيني واللبناني وشعوب محور المقاومة، هو رهان الميدان، فالعدو الاسرائيلي لا يفهم الا لغة القوة، وقد ذاق الامرين من هذه القوة خلال العام المنصرم، فقد خسر الكيان الاسرائيلي سمعته وسمعة مشغليه في العالم، بسبب الوحشية التي تعاملا بها مع المدنيين في غزة والضفة الغربية ولبنان، كما خسر الكيان قوة ردعه، وخسر الالاف من جنوده، وتضرر اقتصاده، ولم يتمكن من اعادة المستوطنين لا الى الشمال ولا الى غلاف غزة، وباتت مستوطناته هدفا لصوارخ ومسيرات المقاومة، والتي تدفع الملايين الى النزول الى الملاجىء لعدة مرات يوميا، وبات نتنياهو نفسه غير امن على حياته، الامر الذي دفع القيادات السياسية والعسكرية والامنية في الكيان، الى التملص عن مسؤوليتها عن الخسائر والهزائم التي منيت بها قوات الاحتلال، وفشلها في تحقيق اهداف العدوان، وهذا الرهان هو الذي سيدفع نتنياهو الى ان يتخذ من ترامب سُلما لينزل من أعلى الشجرة، بعد أن بخل على بايدن أن يكون ذلك السُلم، ليس فقط من أجل حرمان نائبته هاريس من ورقة رابحة، كانت قد تؤثر على سير الانتخابات، بل للظهور ايضا بمظهر "القوي" الذي اضطر للنزول من اعلى الشجرة بضغط من ترامب!.