دعم غربي وتمدد صهيوني؛ من يتحمل مسؤولية زعزعة الاستقرار في أفريقيا؟
أفادت وکالة آنا الإخباریة، إعلان اعتراف الكيان الصهيوني بـ«صوماليلاند» لا يُعدّ خطوة دبلوماسية عادية، بل يكشف عن استراتيجية خطِرة تقوم على تفكيك الدول، وزعزعة الاستقرار الجيوسياسي، وترسيخ منطق الاحتلال؛ وهي استراتيجية تتجاوز تداعياتها القارة الأفريقية لتطال الأمن العالمي برمّته.
إن إقدام الكيان الصهيوني على الاعتراف بـ«صوماليلاند» كـ«دولة مستقلة»، في وقت لم تعترف فيه أي دولة ذات سيادة بهذا الكيان الانفصالي منذ عام 1991، يعكس تجاوزاً متعمّداً لمبادئ راسخة في القانون الدولي. كما أن الاتصال المباشر بين بنيامين نتنياهو وزعيم التيار الانفصالي في صوماليلاند، والإعلان الرسمي عن التوافق على تبادل السفراء، لا يمكن اعتباره مناورة دبلوماسية عابرة، بل خطوة محسوبة تهدف إلى تكريس سابقة التفكيك والانفصال كأداة للهيمنة السياسية.
ويمثل هذا التحرك انتهاكاً واضحاً لمبدأ وحدة الأراضي الصومالية، ويُروّج لنموذج بالغ الخطورة في النظام الدولي، يسمح لقوى احتلالية لا تمتلك أي ارتباط جغرافي أو تاريخي بالتدخل في الحدود السيادية للدول. والرسالة الضمنية لهذا النهج هي أن الأمن والسيادة الوطنية قابلان للمساومة، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لاستقرار أفريقيا، بل وللنظام الدولي ككل.
منطق الاحتلال؛ من فلسطين إلى القرن الأفريقي
يكشف الاعتراف بصوماليلاند حقيقة الادعاءات الأمنية التي يرفعها الكيان الصهيوني. فالنظام الذي دأب على تبرير اعتداءاته على غزة والضفة الغربية ودول المنطقة بذريعة «الدفاع عن النفس»، يتجه اليوم إلى منطقة لا يواجه فيها أي تهديد مباشر.
ويؤكد ذلك أن القضية ليست أمنية، بل ترتبط بطبيعة احتلالية توسعية بلا حدود. وتقوم الاستراتيجية الكبرى لهذا الكيان على تفتيت الدول وإضعاف الكيانات الوطنية. فمنذ احتلال فلسطين بدعم بريطاني وحتى اليوم، ارتبط بقاء هذا الكيان وتوسّعه بإنتاج الأزمات وبسط النفوذ. ويأتي الانخراط في ملف صوماليلاند كحلقة جديدة في هذه السلسلة، تؤكد أن أي تراجع أو تسوية لا تقود إلا إلى مزيد من التوسع والهيمنة.
جيوسياسية الطاقة والممرات البحرية؛ أهداف خفية وحاسمة
لا تقتصر أهمية صوماليلاند بالنسبة للكيان الصهيوني على البعد السياسي فحسب، بل تنبع أيضاً من حسابات جيوسياسية دقيقة. فالاقتراب من مضيق باب المندب وخليج عدن يتيح إمكانية التأثير في أحد أهم شرايين التجارة العالمية، بما يحوّل هذا النفوذ إلى أداة ضغط اقتصادي على دول المنطقة وحتى على قوى دولية كبرى.
ويأتي هذا التوجّه في سياق سعي الكيان الصهيوني للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة؛ من مشاريع تصدير الغاز إلى مصر، والطمع في موارد غزة ولبنان، إلى الوجود في سوريا وربط شرق المتوسط بمعادلات الطاقة. كما تندرج علاقاته مع اليونان وقبرص، ومساعيه للوصول إلى نفط إقليم كردستان العراق، ودوره في مسارات تقسيم السودان، ضمن تصميم واحد يهدف إلى السيطرة على موارد الطاقة ومساراتها عبر التفكيك وعدم الاستقرار.
عزلة دولية ومسؤولية غربية مباشرة
في أعقاب عملية «طوفان الأقصى» وتصاعد الجرائم في غزة، يواجه الكيان الصهيوني عزلة غير مسبوقة، تتجلى في اتساع الاحتجاجات الشعبية، وفرض مقاطعات ثقافية ورياضية، وملاحقته قضائياً أمام محكمة لاهاي. وفي هذا السياق، يمكن قراءة الاعتراف بصوماليلاند كمحاولة لكسر العزلة والضغط على الاتحاد الأفريقي، إلا أن هذه الخطوة قوبلت بإدانات دولية واسعة وأتت بنتائج عكسية.
ومع ذلك، لا يمكن للغرب التنصّل من مسؤوليته. فالدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الذي تقدمه الولايات المتحدة وأوروبا منح هذا الكيان شعوراً زائفاً بالحصانة، امتد اليوم إلى القارة الأفريقية. كما أن اعترافات مسؤولين غربيين بدور الكيان الصهيوني في تنفيذ «المهام القذرة» والمشاركة في هندسة نظام قائم على التفكيك، تؤكد أن ما يجري في صوماليلاند ليس خطأً معزولاً، بل نتاج استراتيجية مشتركة. ومن دون محاسبة جادة للدول الداعمة ووقف هذا المسار، سيستمر نهج زعزعة الاستقرار، وستتعرّض منظومة الأمن العالمي لمخاطر أشد.