غشاء نانوي سليلوزي يحل ثلاث معضلات رئيسية في تحلية المياه
أفادت وکالة آنا الإخباریة، إستطاع باحثو جامعة أميركبير الصناعية من تصميم نوع جديد من الأغشية النانوية المعتمدة على البلورات النانوية السليلوزية (CNC)، يحقق تحسّناً متزامناً في ثلاث خصائص محورية لعمليات تحلية المياه، هي: المتانة الميكانيكية، نفاذية الماء، وكفاءة إزالة الأملاح؛ وهي معضلة طالما شكّلت عنق زجاجة في تكنولوجيا الأغشية.
وفي هذا العمل، ومن خلال دراسة دقيقة لنسبة الطول إلى القطر للبلورات النانوية السليلوزية ومستويات تحميلها، جرى إنشاء بنية شمولية شبكية تُعرف بـ «الشبكة الترابطية الشاملة المتداخلة» (Pervasive Interconnected Network – PIN)، تعيد إنتاج سلوك المواد الفوقية (Metamaterials) داخل الغشاء.
تُنشئ هذه الشبكة مسارات منتظمة ومضبوطة لعبور الماء، وفي الوقت نفسه تمنع التمدد المفرط للبنية، الذي يؤدي عادةً إلى انخفاض كفاءة إزالة الأملاح. وتُظهر النتائج أن تحميل 0.50% وزناً من CNC ذات نسبة طولية مرتفعة يحقق الحالة المثلى، ويمكنه رفع أداء أغشية التحلية المخصّصة للمياه شبه المالحة.
لقد دفعت أزمة المياه العذبة العالمية الممتدة منذ سنوات عديدة الدول المختلفة إلى تطوير تقنيات فعّالة في مجال تحلية المياه. ومع تزايد الطلب على المياه الصالحة للشرب والاستخدام الصناعي، أصبحت الأغشية البوليمرية من أهم أدوات الفصل في عمليات معالجة المياه.
إلا أن هذه الأغشية تواجه تحدّياً تقليدياً يتمثل في تحسين المتانة الميكانيكية ونفاذية الماء وقدرة إزالة الأملاح في آنٍ واحد. فغالباً ما يؤدي تعزيز إحدى هذه الخصائص إلى إضعاف الأخرى، وهو تعارض بنيوي حدّ من التقدّم الصناعي في هذا المجال. ومن هنا، كان إيجاد بنية قادرة على تحسين المؤشرات الثلاثة معاً هدفاً أساسياً لأبحاث الأغشية خلال العقد الأخير.
واستجابةً لهذا التحدي، نجح فريق بحثي من جامعة أميركبير الصناعية، عبر دراسة خصائص البلورات النانوية السليلوزية وكيفية انتظامها داخل مصفوفة بوليمرية، في تصنيع غشاء نانوي جديد قادر على تجاوز هذا القيد التاريخي.
المادة الأساسية لهذا الغشاء هي ثنائي أسيتات السليلوز (CDA)، وهو بوليمر مستقر، متاح، وملائم لتطبيقات الفصل. أما العنصر المحوري في البحث فهو البلورات النانوية السليلوزية (CNC)، وهي تراكيب مشتقة من السليلوز الطبيعي، تمتاز بنسبة طول إلى قطر عالية، ومتانة ميكانيكية ملحوظة، ومساحة سطحية فعّالة كبيرة، ما يمنحها تطبيقات واسعة في علوم النانو.
ويكمن الدور الحقيقي للجزء النانوي في هذا المشروع في كيفية ترتيب وتكوين CNC داخل الغشاء. فقد أظهر الباحثون أن مجرد وجود الجسيمات النانوية لا يكفي، بل إن نوع الشبكة التي تشكّلها هذه القضبان النانوية هو العامل الحاسم في تحديد الخواص النهائية للمادة. وتُعد نسبة الطول إلى القطر (Aspect Ratio) والنسبة الوزنية للـCNC العاملين الرئيسيين اللذين يحددان أنماط التشابك وبناء الشبكات، والتي قد تتراوح من توزيع عشوائي متناثر إلى تكوين شبكة متداخلة مستمرة.
في هذه الدراسة، جرى فحص أربع نسب تحميل وزنية للـCNC ذات النسبة الطولية العالية، هي: 0.15%، 0.25%، 0.50%، و0.75%. وأظهرت نتائج الاختبارات الميكانيكية واللزوجية-المرنة واختبارات الفصل أن CNC عند النسب المنخفضة (0.15% و0.25%) تكون موزعة بشكل متفرق أو ضمن شبكة ضيقة ومحدودة. أما عند تحميل 0.50% فما فوق، فتتشكّل بنية جديدة أطلق عليها الباحثون اسم الشبكة الترابطية الشاملة المتداخلة (PIN).
تمثل هذه الشبكة بنية متصلة وواسعة من القضبان النانوية، لا تعزز فقط متانة الغشاء، بل تغيّر أيضاً السلوك الديناميكي لعبور الجزيئات والأيونات. ففي الأغشية التقليدية، يؤدي تسريع تدفّق الماء عادةً إلى تقليل إزالة الأملاح، أو يستلزم زيادة سماكة الغشاء لضمان الاستقرار التشغيلي. غير أن الغشاء المطوَّر في جامعة أميركبير، وبفضل التركيبة المثلى المتمثلة في 0.50% من CNC عالية النسبة الطولية، يكوّن مسارات مزدوجة ومضبوطة لعبور جزيئات الماء.
وتُعرف هذه المسارات اصطلاحاً بـ المسارات ثنائية الاستمرارية (Bi-continuous)، وتؤدي – وفق التحليلات الكهروستاتيكية والفيزيائية – دوراً أساسياً في التحكم بمرور الأيونات.
كما تُكسب هذه الشبكة الغشاء مقاومة أعلى للتغيرات في الضغط والأحمال الميكانيكية. وتتيح زيادة المتانة الميكانيكية للغشاء العمل تحت ضغوط تشغيلية أعلى من دون تعرّض البنية البوليمرية للتلف أو الانهيار، وهي ميزة بالغة الأهمية في عمليات تحلية المياه شبه المالحة التي تتطلب ضغوطاً تشغيلية مرتفعة نسبياً.
ولفهم سلوك هذه الشبكة على نحو أدق، استخدم الباحثون اختبارات اللزوجة-المرونة الخطية وغير الخطية، والتي أظهرت أنه عند نسب التحميل العالية تنتقل بنية CNC من حالة التوزيع المتفرق إلى شبكة متصلة ومستقرة. كما بيّن تحليل معامل كفاءة التقوية الميكانيكية (CFE) أن تحميل 0.50% من CNC يحقق أعلى زيادة في المتانة مقارنةً بالمادة الأساس، من دون أن يؤدي إلى تكتل مفرط أو انسداد مسارات العبور.
ولا يقتصر هذا البحث على توضيح آلية التحسين المتزامن للخصائص الثلاث فحسب، بل يبرهن أيضاً على إمكانية تصميم مادة ذات سلوك فوقي عبر هندسة نمط توزع القضبان النانوية داخل البوليمر؛ أي مادة لا تنبع خصائصها فقط من مكوناتها، بل من طريقة تنظيم تلك المكونات على المقياس النانوي.
وتشير النتائج إلى أن الغشاء النانوي المحتوي على 0.50% وزناً من CNC عالية النسبة الطولية يقدّم أداءً مثالياً في معالجة المياه شبه المالحة، ويمكن أن يشكّل أساساً لتطوير أغشية صناعية جديدة. ويؤكد هذا العمل أن الفهم الدقيق لدور الشبكات النانوية البنيوية يفتح الطريق لتجاوز القيود التقليدية، والتوجّه نحو أغشية أكثر استدامة، وكفاءة، ومتانة.