عالمٌ مثابر لا يعرف التعب، رجلٌ كان معقله قاعة الدراسة

ووفقا لوكالة أنباء آنا، كيف يُمكن للمرء أن يكتب عن رجلٍ لم يكن معقله سورًا، بل قاعة دراسة ومختبرًا، ولم يكن سلاحه بندقيةً، بل قلمًا وفكرًا؟ كان الدكتور محمد مهدي طهرانجي عالمًا دؤوبًا وأستاذًا متواضعًا، كرّس حياته كلها لتقدم إيران وخدمة شعبها.
لابد أن ننظر إلى شخصيته اللامعة في إنجازاته. إداريٌّ رؤوفٌ واستراتيجيٌّ، استطاع في ذروة أزمة كورونا أن يُحوّل جامعة آزاد الإسلامية ويدفعها إلى الأمام بإبداعٍ وابتكار، وأن يُحوّل التهديد إلى فرصةٍ للقفزة النوعية في مجال التعليم. إنّ إنشاءَ منصبِ نائبِ رئيسِ الجامعةِ الأكاديميّ في العتبةِ الرضويةِ المقدسةِ في عهدِ الشهيدِ آيةِ اللهِ رئيسي، ونشاطِهِ المُثمرِ كرئيسٍ لجامعةِ الشهيدِ بهشتي، قد تركا له صورةً بنّاءةً وديناميكيةً في أذهانِ زملائه.
كان الدكتورُ طهرانجي أخًا حنونًا وعطوفًا لزملائه، وأبًا مُثابرًا لطلابه، ممهّدًا الطريقَ لازدهارِ مواهبهم. ولكن كم هو مؤلمٌ أننا لا نُعرِّفُ أبطالَنا إلا بعدَ أن يُفلِحوا ويُدركوا عظمةَ وجودِهم.
إن استشهاد الدكتور محمد مهدي طهرانجي وزوجته الحبيبة في دارٍ سكنية، مع عددٍ من الجيران الأبرياء، على يد أشرار الأرض، الكيان الصهيوني، يكشف حقيقةً جليةً: إن العدو يخشى علمنا واستقلالنا وتقدمنا أكثر من أي شيء آخر. إن هذه الجريمة المروعة، التي لم تسلم منها النساء والأطفال العزل في اغتيال شخصيةٍ علمية، تُفضح ادعاءاتكم الزائفة بدعم الأمة الإيرانية، وتكشف عن المخالب الدموية لصفوفكم الشبيهة بالذئاب.
هل لمحاولاتكم اليائسة لاغتيال العلماء والشعب الأبرياء أي هدف سوى عرقلة تقدم إيران وازدهارها؟ هل لسنواتٍ من العقوبات القاسية والتخريب والأعمال الإرهابية التي رافقها استشهاد آلاف الأشخاص من مختلف مناحي الحياة، سببٌ سوى خوفكم من تقدم الحضارة الإيرانية الإسلامية؟ هذه الفظائع والجرائم الوحشية، واغتيال حراس هذه الأرض المقدسة وخدمها، والقتل الوحشي للعلماء الأكاديميين رواد العلم والمعرفة في هذه الأرض، هل هي إلا وسيلة لثني الإيرانيين عن الطريق الذي سلكوه بصعوبة ومرارة، معتمدين على الأمل والثقة بالنفس؟
إن عداء الشيطان الأكبر أمريكا، والأوروبيين المخادعين، وعلى رأسهم النظام الصهيوني قاتل الأطفال، المستمر منذ قرابة 47 عامًا، يهدف تحديدًا إلى منع أمتنا من التقدم نحو الوعي والرقي، ليجعلوا من إيران، كبعض دول المنطقة، فزاعة في مسرحيتهم الشهيرة ضد الشعوب. إنهم يريدون إيرانيًا سلبيًا، مستهلكًا للسلع الغربية الفاخرة، لا مكان له في سلاسل العلوم والصناعة الرئيسية، لا يسعى إلى هويته التاريخية، ولا يريد الكرامة، ولا يطمح إلى التقدم الحقيقي. إنهم يخشون إيران، التي كسر علماؤها، رغم كل العقوبات والتهديدات والاغتيالات، بتضحياتهم وإيثارهم، خط الاستعمار الفكري والعملي المنحط، وقادوا البلاد إلى قمم المجد؛ وهو إنجاز تحقق بفضل بركات الثورة الإلهية للإمام روح الله (حفظه الله) والتوجيه الحكيم لقائد الثورة، الإمام الخامنئي (حفظه الله).
إن استشهاد الدكتور محمد مهدي طهرانجي رسالة واضحة لنا جميعًا: إن الطريق الذي سلكه وعلماؤنا الشهداء الآخرون هو طريق صحيح وفعال، يُرعب العدو، وهذا الطريق سيقود أمتنا إلى غايتها. هذه الدماء الزكية ليست نهاية المطاف، بل هي مصدر رزقٍ لشعلة العلم والتقدم لتشتعل أكثر فأكثر في هذه الأرض.
عزيزي الدكتور طهرانجي، عالمنا الدؤوب، في ليلة عيد الغدير، جدّد عهده بدمائه ودماء أحبائه لمولانا أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكسائر حجاج الإمامة والولاية المخلصين، حقق أمنيته التي طال انتظارها لخمسة وعشرين عامًا، وتجرّع نكهة الشهادة في هذه الأيام المباركة، ليخلّد اسمه في تاريخ هذه البلاد والعباد، أحد شهداء الغدير.
أحسن الله عزائك في هذا الوداع الجميل. كن لنا شفيعًا يا أبانا العزيز، واعلم أننا لن نترك هذه الراية التي رفعتها مرفوعة. سنواصل دربك بعزيمة أقوى وجهد مضاعف، لنثبت أن فكر الأمة ومبادئها لا يمكن اغتيالها باغتيال العلماء جسديًا.
وصدق الله العظيم: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾. (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربهم يرزقون).
محمد مهدي خيرجو، الرئيس التنفيذي لوكالة أنباء آنا