ما وراء قرار ترامب المفاجئ برفع العقوبات عن سوريا؟

أفادت وکالة آنا الإخباریة، الخطوة الأميركية لم تكن مفاجئة فقط في توقيتها وسرعتها، بل أيضاً في سياقها السياسي، حيث ترافقت مع لقاء ثلاثي جمع ترامب بالرئيس السوري أحمد الشرع، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ومشاركة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان عبر تقنية الاتصال المرئي.
هذا التحول اللافت في موقف ترامب يعكس تغيّرًا في الحسابات الأميركية، ويؤكد أن السياسة لا تُدار بثوابت بل بالمصالح. الرئيس الأميركي، المعروف بأسلوبه غير التقليدي، يواصل انتهاج "دبلوماسية الصفقات" كأساس لسياسته الخارجية، متجاوزاً التحفظات التقليدية لصناع القرار في واشنطن.
عودة أميركية إلى الشرق الأوسط
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال عقد مضى تراجعاً في الحضور الأميركي لصالح أولويات أخرى، أبرزها مواجهة النفوذ الصيني. إلا أن دخول الصين وروسيا على خط الملفات الإقليمية الحساسة، ومنها الوساطة بين الرياض وطهران، أعاد تنشيط الاهتمام الأميركي بالمنطقة.
من هذا المنطلق، تبدو عودة واشنطن إلى الملف السوري محاولة لإعادة التوازن، والحد من التغلغل الروسي-الصيني، وتحفيز دول الإقليم على التنسيق مع الولايات المتحدة، بدلاً من الارتماء في أحضان بكين وموسكو.
سوريا وموقعها في الحسابات الجديدة
تشير المعلومات إلى أن قرار رفع العقوبات جاء على خلفية تفاهمات أولية بين واشنطن ودمشق، مدعومة بضمانات إقليمية من السعودية وقطر والإمارات وتركيا. هذه التفاهمات شملت التزام الحكومة السورية بالتحرك نحو إصلاحات سياسية، واحترام حقوق الأقليات، وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية.
غير أن ملفات حساسة بقيت عالقة، وعلى رأسها قضية المقاتلين الأجانب والعلاقة مع "إسرائيل". دمشق أكدت أنها تحتاج إلى حوار مباشر مع الجانب الأميركي لتوضيح موقفها في هذه القضايا، مشيرة إلى أنها لا ترغب في التصعيد، بل تسعى لحلول دبلوماسية توقف الاعتداءات الإسرائيلية.
الرسائل المتبادلة بين دمشق وواشنطن
من جانبها، عرضت الحكومة السورية إشراك الشركات الأميركية في استثمار الثروات النفطية مقابل انسحاب قوات واشنطن من شمال شرقي سوريا، وهو عرض يتناغم مع مقاربة ترامب التجارية للعلاقات الدولية.
كما تلقت دمشق إشارات إيجابية من لندن حول دعم أمني وتقني لمكافحة الإرهاب، فيما أبدت السعودية والإمارات والأردن استعدادها للمساهمة في تدريب قوات الأمن السورية، ما يؤشر إلى استعداد إقليمي لدعم مسار الاستقرار في سوريا.
"إسرائيل" والقلق من التحولات
الانفتاح الأميركي على سوريا لم يلق ترحيباً في تل أبيب، لا سيما في ظل محاولات ترامب استئناف المحادثات مع إيران، وتقديره للدور التركي في سوريا. هذه المواقف تُظهر أن الرئيس الأميركي ليس معنياً بالكامل بإرضاء حكومة نتنياهو، بل يوازن بين مصالح الحلفاء وتوجهاته الشخصية.
أبعاد اللقاء التاريخي بين الشرع وترامب
أبرز ما نتج عن قرار رفع العقوبات هو اللقاء النادر بين الرئيسين الأميركي والسوري، الأول من نوعه منذ أكثر من ربع قرن. هذا اللقاء يحمل دلالات سياسية كبيرة ويعكس بداية صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، مع احتمال أن يشجع دولاً أوروبية على مراجعة سياساتها تجاه دمشق.
فرصة أمام الاقتصاد السوري
على المستوى الاقتصادي، يُتوقع أن يسهم القرار في تحريك عجلة الإنتاج، واستقطاب الاستثمارات، وتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين، لا سيما في قطاعات الطاقة والمستلزمات الطبية. التحسن الفوري في سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار يعكس الأثر النفسي الإيجابي للقرار.
التحديات قائمة... ولكن الأمل موجود
لا تزال التحديات كبيرة أمام الحكومة السورية، خصوصاً في ما يتعلق بتهيئة بيئة آمنة للمستثمرين، وتحديث القوانين المالية والمصرفية. غير أن سوريا، بما تمتلكه من موقع استراتيجي وثروات، قادرة على استعادة مكانتها إذا ما تم استثمار هذه الفرصة بشكل حكيم.
في الختام، يبدو أن سوريا تقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة قد تعيدها إلى الخريطة السياسية والاقتصادية في المنطقة، في حال استطاعت التوفيق بين متطلبات الداخل وتطلعات الخارج، والموازنة بين المصالح الإقليمية والدولية.