زيارة هرتسوغ إلى البحرين..لماذا تستعجل المنامة في تعزيز علاقاتها مع تل أبيب؟
أفادت وکالة آنا الإخباریة، وناقشت صحيفة "الأخبار" اللبنانية في تقرير لها أوضاع الحكومة البحرينية على المستوى الداخلي ومسألة تطبيع العلاقات بينها وبين الكيان الصهيوني وأسباب مساعي آل خليفة لتعزيز العلاقات مع تل أبيب.
وجاء في التقرير:
من المفترض ان يزور رئيس الكيان الصهيوني إسحاق هرتسوغ البحرين اليوم الأحد، ويبدو أن نظام آل خليفة يعامل المواطنين البحرينيين الذين يعارضون الكيان الصهيوني كأعداء لهم.
لعله من سوء حظ النظام البحريني أن "زيارة الدولة" التي يقوم بها الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، اليوم إلى المنامة، تأتي وسط ما تشهده فعاليات "المونديال" من انفجار للمشاعر الشعبية العربية والخليجية ضد التطبيع. فالتناقض بين الحرارة التي يستقبل بها الملك حمد بن عيسى ضيفه، وبين ما جرى في ملاعب قطر، يعري نظام البحرين، وأيضا الإمارات، التي سينتقل إليها هرتسوغ بعد زيارته "التاريخية" إلى المنامة، للقاء حليفه الآخر محمد بن زايد.
لكن الأهم من التعرية، هو أن الإسرائيليين لن يتمكنوا من توفير الأمن للنظامين، في الوقت الذي لا يشعرون فيه بالأمان في الخليج الفارسي هم أنفسهم، كما أظهرت التهديدات بالقتل التي أطلقها ناشطون بحرينيون ضد الرئيس الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي، ودفعت جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي، "الشين بيت"، إلى اتخاذ قرار بتعزيز الأمن حوله خلال الجولة .
ويمثل نظام البحرين الذي يستقبل الرئيس الإسرائيلي، إسحق هرتسوغ، في المنامة اليوم، حالة نافرة حتى بمقاييس التطبيع مع العدو، والذي تحاول أنظمة خليجية وعربية عديدة تمريره على شعوبها. لكن ما أظهرته فعاليات "مونديال قطر" من رفض شعبي خليجي وعربي كبير للتطبيع، باغت تلك الأنظمة أكثر مما فاجأ الإسرائيليين أنفسهم، الذين ظنوا أنهم سيأتون إلى قطر "فاتحين" نتيجة قرار الأخيرة إقامة خط جوي مباشر من تل أبيب لنقل "المشجعين" إلى الدوحة، ليجدوا أن فلسطين الحاضرة في وجدان كل الجماهير العربية هي التي تحاصرهم.
وللبحرينيين بالخصوص أسباب إضافية لكراهية إسرائيل - التي تسعى إلى تحويل بلدهم إلى قاعدة عسكرية متقدمة لها في الخليج الفارسي -، باعتبار أن النظام المتحالف مع العدو، منفصل عن شعبه تماما، وبالتالي لا يملك "ميزة" تحظى بها أنظمة خليجية مطبعة أخرى، تقيم شرائح من شعوبها فصلا بين موقفها الرافض للتطبيع، وبين التعامل مع الحكم نفسه.
ويبدو أن النظام البحريني بات يتصرف على هذا الأساس؛ إذ يتعامل مع أعداء الاحتلال الصهيوني من مواطنيه على أنهم أعداؤه، كما تبين إدانة الناشط البارز المعتقل، عبد الهادي الخواجة، في إحدى المحاكم بتهمة "إهانة دولة أجنبية" هي إسرائيل، وكما أظهرت قبل ذلك، إقالة الوزيرة السابقة العضو في الأسرة الحاكمة، مي بنت محمد آل خليفة، من منصبها كرئيسة لهيئة الثقافة والآثار، لأنها رفضت مصافحة السفير الإسرائيلي في المنامة، إيتان نائيه، خلال مراسم عزاء لوالد السفير الأميركي لدى المنامة، في 16 حزيران الماضي.
هكذا، يسير النظام البحريني الذي كان سقوطه حتميا لولا تدخل القوات السعودية لقمع الانتفاضة الشعبية منذ بدايتها في 14 شباط 2011، في طريق الارتهان الكامل لدولة الاحتلال، مقابل الحصول على حماية إسرائيلية في الأساس، ومن ثم غربية، لأنه لم يعد يأمن تماما بقاء النظام السعودي الذي يحتاج هو نفسه إلى حماية دائمة. ولذا، فإنه يسرع الخطى في تسليم زمام الأمور، وخاصة في المجالين الأمني والعسكري، للإسرائيليين، مع ما يرافق ذلك من اتفاقات تجارية، كاتفاق التجارة الحرة الذي يجري التحضير لتوقيعه قريبا، بعد توقيع آخر مماثل بين تل أبيب وأبو ظبي في أيار الفائت.
وعلى رغم أن هذه هي الزيارة الأولى لرئيس إسرائيلي إلى البحرين، إلا أن مسؤولين إسرائيليين كثرا زاروا هذا البلد منذ توقيع "اتفاقات أبراهام" في 15 أيلول 2020، بمن فيهم نفتالي بينت حين كان رئيسا للوزراء، ويائير لابيد عندما كان وزيرا للخارجية.
النظام البحريني صار يعتبر من يعادي إسرائيل من مواطنيه عدوا له
وإذ يطغى الطابع الأمني والعسكري على علاقة العدو بكل من نظامي أبو ظبي والمنامة، من خلال نشر أنظمة دفاع جوي إسرائيلي في البلدين، فإن "العسكرة" تظهر أكثر في حالة البحرين، ضمن مسعى العدو للمرابطة على السواحل المقابلة لإيران في الخليج الفارسي، وهو ما تنخرط فيه الولايات المتحدة، التي قد تسلم يوما تل أبيب المسؤوليات العسكرية التي تضطلع بها في المنطقة.
ففي العشرين من تشرين الثاني الماضي، زار وفد برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إيال حولاتا، مقر قيادة الأسطول الأميركي الخامس في البحرين، وانضم إليه هناك منسق مجلس الأمن القومي الأميركي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، الذي يلعب دورا كبيرا في رسم سياسة إدارة جو بايدن في الشرق الأوسط، وتحديدا في محاولات تطويق إيران، لا سيما بعد قيام الولايات المتحدة، في خريف العام الفائت، بنقل إسرائيل من منطقة مسؤولية القيادة الأميركية في أوروبا إلى منطقة عمليات القيادة الأميركية الوسطى، لتعزيز التعاون معها في الأمن البحري وخاصة في البحر الأحمر.
والحماية الإسرائيلية لنظام البحرين تشمل مساعدته في قمع شعبه. لكن تلك المساعدة تنطوي على مخاطرة بالنسبة إلى النظام، وهو ما تبدى واضحا في الحملة التي تشن على وسائل التواصل الاجتماعي احتجاجا على زيارة هرتسوغ من قبل البحرينيين، والتي وصفها مسؤولون أمنيون إسرائيليون بأنها "غير اعتيادية" كونها تضمنت تهديدات بالقتل ضده، ما استدعى اتخاذ "الشين بيت" قرارا بتعزيز الأمن حوله، بحسب ما نقل عنهم موقع "آي نيوز" العبري. ولذا، يمثل خيار الذهاب في التطبيع إلى النهاية، تعبيرا عن أزمة يعانيها النظام البحريني مع شعبه، ما فتئت تتزايد منذ انطلاق الثورة، وصولا إلى القطيعة الكاملة مع ممثلي هذا الشعب الحقيقيين، الذين يقبعون إما في السجون وإما في المنافي، بينما جاءت الانتخابات التشريعية "المهندسة" من قبل النظام في الشهر الماضي في غياب المعارضة التام، لتنتج مجلسا يمثل صورة طبق الأصل عن السلطة القائمة، وليكون له دور في القيام بما يلزم ضمن عملية التطبيع مع العدو، من خلال توفير التشريعات المطلوبة.
أما الإمارات التي سبق أن زارها الرئيس الإسرائيلي في نهاية حزيران الماضي، وتزامنت زيارته آنذاك مع قصف حركة "أنصار الله" اليمنية أهدافا في الدولة من بينها مطار أبو ظبي، فهي توازي البحرين في سرعة التطبيع، لكنها قد تفوقها في الأهمية بالنسبة إلى العدو نظرا إلى موقعها كمركز تجاري عالمي، وامتلاكها أدوات ديبلوماسية أكثر قدرة على المناورة في الخليج الفارسي نفسه، وفي علاقاتها مع العرب والعالم، مدعومة بقدرة على التأثير في أسواق النفط العالمية.
وفي الحالة الإماراتية، يستفيد رئيس الدولة، محمد بن زايد، من فصل يقيمه الإماراتيون بين فعل التطبيع نفسه، وبين علاقتهم بنظامهم؛ إذ على عكس البحرين، لا يوجد مثلا إماراتيون فقراء، نتيجة تلك العلاقة القائمة على نظام رفاه يشتري به الحاكم سكوت الرعايا. ومع ذلك، يسير التطبيع أيضا في الإمارات، حيث سيحضر هرتسوغ بعد غد، "حوار أبو ظبي حول الفضاء"، خلافا للرغبة الشعبية المكبوتة، والتي تجد في أحايين كثيرة طريقها إلى التعبير عن نفسها، على رغم قمع النظام، خاصة أن وقاحة أبناء زايد في التطبيع تثير لدى الإماراتيين مزيجا من الخجل ومن الخشية من أن يرتد الأمر عليهم، كما حدث خلال القصف اليمني لأهداف في أبو ظبي ودبي.