الغازي وعطال.. أن تضحي بكل شيء دعماً لفلسطين
20 December 2023 - 15:20

الغازي وعطال.. أن تضحي بكل شيء دعماً لفلسطين

الاتحاد الدولي لكرة القدم، "فيفا"، يرفع شعار فصل الرياضة عن السياسية، لكن هذا الأمر يحمل عدة وجوه، ويُظهر ازدواجية المعايير، فعندما يتعلق الأمر بفلسطين ينفَّذ القرار بشدة.
رمز الخبر : 4073

أفادت وکالة آنا الإخباریة، شكّلت عملية "طوفان الأقصى"، وما تبعها من عدوان همجي إسرائيلي، وممارسته عملية تطهير عرقي وإبادة جماعية بحق سكان قطاع غزة، منزلقاً خطيراً للاتحادات الرياضية العالمية، وضمنها الاتحاد الدولي لكرة القدم، "فيفا"، بحيث عرّته من المفاهيم الإنسانية والأخلاقية التي لطالما نادى فيها القائمون عليه منذ تأسيسه.

لعلّ ما تعرض له اللاعبون، الذين أظهروا علناً دعمهم للقضية الفلسطينية، وعلى رأسهم اللاعبان يوسف عطال وأنور الغازي، فضح ازدواجية المعايير التي يمارسها الاتحاد تجاه القضايا الإنسانية حول العالم.

التضامن العربي على الرغم من الضغوطات

بدأت القصة عندما قام بعض لاعبي كرة القدم، وخصوصاً العرب منهم، في مختلف الدوريات العالمية والأوروبية بدعم فلسطين ورفض ما يجري في قطاع غزة من قصف وقتل همجيين من جانب قوات الاحتلال، عبر نشرهم منشورات في حساباتهم الرسمية في منصات التواصل الاجتماعي، الأمر الذي تسبب بتعرّضهم لضغوط من جانب أنديتهم في بادئ الأمر، لتصل إلى تدخل السلطات الرسمية في البلاد التي تلعب داخلها الأندية.

وبطبيعة الحال، فإن أغلبية اللاعبين الذين أظهروا دعمهم من العرب، أو هم ينحدرون من أصول عربية، لذلك، فإن التركيز والاهتمام كانا منصبّين عليهم، بصورة أكبر.

وبالفعل، قام أبرز لاعبي كرة القدم بإبداء دعمهم وتعاطفهم مع سكان غزة والدعوة إلى وقف القتل، وأبرزهم النجم النجم المغربي نصير مزراوي، لاعب نادي بايرن ميونيخ الألماني، الذي شارك في مقطع فيديو في "إنستغرام"، متمنياً النصر للشعب الفلسطيني على الاحتلال الاسرائيلي، بالإضافة إلى النجم الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، كريم بنزيما، مهاجم نادي ريال مدريد الإسباني السابق، واتحاد جدة السعودي الحالي، فضلاً عن الجزائري رياض محرز.

وقام نجم نادي ليفربول، المصري محمد صلاح، بنشر فيديو، مبدياً فيه دعمه لفلسطين ورافضاً قتل الأبرياء من الطرفين، بحسب قوله. وضمت لائحة المتضامنين نجوماً آخرين مثل محمد النني ومحمود تريزيغيه ومسعود أوزيل والفرنسي جول كوندي، لاعب برشلونة الإسباني.

في مقابل هذا الدعم، تعرض هؤلاء اللاعبون لكمّ هائل من الضغوط، سواء من أنديتهم والجماهير أو المجتمعات والسلطات الرسمية، وصلت إلى حد الدعوة إلى سحب جنسية البعض بحجة ما يسمى "معاداة السامية ومساندة تنظيمات إرهابية"، بحيث تقدمت النائبة الفرنسية، فاليري بويييه، بطلب رسمي لمناقشة سحب الجنسية من اللاعب الفرنسي كريم بنزيمة، وتجريده من "الكرة الذهبية" التي حصل عليها في النسخة قبل الماضية، بالإضافة إلى مواجهته موجة انتقادات لاذعة من جانب الوزيرة الفرنسية السابقة نادين مورانو، بحيث وصفت لاعب الاتحاد السعودي الحالي بأنه "عميل لحماس"، على حد تعبيرها.

الغازي وعطال وفاتورة التضامن

في بداية الحرب، قام أنور الغازي، الهولندي من أصول مغربية، ولاعب نادي ماينز الألماني، بنشر عدة منشورات في وسائل التواصل الاجتماعي، تضمنت التعبير عن الدعم للفلسطينيين، وكان بين أبرز هذه المنشورات جملة "من النهر إلى البحر، فلسطين ستتحرر"، قبل أن يقوم بحذفها من حساباته لاحقاً.

وبسرعة اتخذ نادي ماينز "قرار إعفاء لاعبه من التدريبات والمباريات"، قائلاً، في بيان، إن "النادي ينأى بنفسه عن محتوى المنشور لأنه لا يعكس" قيمه.

وبعد ذلك، نشر اللاعب المغربي الأصل رسالة جديدة في "إنستغرام" دان فيها "قتل المدنيين الأبرياء في فلسطين وإسرائيل"، وأعرب عن تعازيه لـ "الضحايا الأبرياء لهذا الصراع بغض النظر عن جنسياتهم".

وأعلن نادي ماينز في بيان بعدها أن الغازي عاد إلى صفوف الفريق، مشيراً إلى أنه "نأى بنفسه عن الرسالة التي نشرها في 17 تشرين الأول/أكتوبر وقام بحذفها بعد بضع دقائق". وأكد النادي أن "اللاعب أعرب عن أسفه لنشر الرسالة وتأثيرها السلبي".

وعلى الرغم من ذلك، فإن الغازي أعلن في "إنستغرام" أنه لا يندم على موقفه ولا يشعر بأي أسف". بل أكد أنه "لم ينسحب من أي شيء قاله أو وافق عليه، من أجل الإنسانية وحقوق المظلومين". لكنه لم يكرر عبارة "من النهر إلى البحر فلسطين ستتحرر"، بل دعا إلى "وقف القتل في غزة".

وأعلن اللاعب بوضوح أن "أي تصريح أو تعليق أو اعتذار منسوب إلي غير صحيح وغير واقعي"، مؤكداً أنه لم يقم بتصريح بهذا الشأن.

أما في فرنسا، فتم إيقاف يوسف عطال، مدافع نادي نيس والمنتخب الجزائري، 7 مباريات بناءً على قرار من اللجنة التأديبية التابعة لرابطة الدوري الفرنسي لكرة القدم.

واتخذت اللجنة هذا القرار بسبب نشر عطال مقطع فيديو لإمام فلسطيني يدعو فيه إلى "الانتقام الإلهي من إسرائيل"، ليتم اتهامه بـ "الدفاع عن الإرهاب" و"معاداة السامية".

وعلى الرغم من حذف اللاعب الجزائري المنشور واعتذاره على الفور، فإن ناديه قرر توقيفه حتى إشعار آخر في 18 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وتمت إحالة الأمر على اللجنة التأديبية في الرابطة من جانب مجلس الأخلاقيات الوطني في الاتحاد الفرنسي للعبة.

في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تم اعتقال عطال عند عودته إلى فرنسا، ليتم إطلاق سراحه بعد ساعات قليلة، لكنه خضع لتقييد تحركاته، ومنعه من السفر إلا في حال وجود سبب رياضي للعب مع فريقه.

وامتثل العطال، نجم المنتخب الجزائري، أمام المحكمة الفرنسية، أمس الاثنين (18 كانون الأول/ديسمبر)، لمواجهة تهم تتعلق بـ "الإرهاب والتحريض والكراهية أو العنف العلني ضد اليهود"، بحسب النيابة العامة الفرنسية.

وطالبت النيابة العامة الفرنسية بسجن نجم "محاربي الصحراء"، لمدة تصل إلى 10 أشهر مع وقف التنفيذ، وتغريمه بمبلغ 45 ألف يورو بسبب نشره مقطع فيديو مدته 35 ثانية يدعو إلى "يوم أسود على الصهاينة".

في المقابل، برر عطال الأمر قائلاً إنه "لم يكمل مشاهدة الفيديو الذي شاركه بأكمله"، وإنه "قام بإعادة نشره من دون مشاهدته كاملاً".
من جهتها، أرجأت المحكمة إصدار الحكم بحق عطال حتى الثالث من كانون الثاني/يناير من العام المقبل.

كيف ستؤثر هذه الإجراءات في مسيرتهم الكروية؟

تُعَدّ هذه الإجراءات والتدابير كفيلة بضرب مسيرة أي لاعب في أوروبا، وخصوصاً في الدوريات الخمسة الكبرى، حيث المنافسة الشرسة، وصعوبة التحديات التي يواجهها اللاعبون العرب بصورة خاصة، إن كان من ناحية إثبات جدارتهم في تمثيل أي من هذه الأندية، أو بسبب جنسياتهم.

من الناحية التجارية، فإن هذه الأحداث يمكنها أيضاً أن تدفع الشركات العالمية الراعية إلى التفكير مرتين أو حتى الابتعاد عن التعاون مع أمثال الغازي وعطال، خوفاً من تأثر صورتها التجارية بصورة سلبية، الأمر الذي سيؤثر تلقائياً في حجم مبيعات هؤلاء اللاعبين وأرباحهم.

وبالنسبة إلى أي لاعب كرة قدم، فإن مسيرته الكروية تمثّل كل شيء بالنسبة إليه،بالإضافة إلى كمّية الإعلانات وعقود الرعاية التي يوقعها خلال مسيرته الاحترافية.

فإذا نظرنا إلى كل ما سبق، فإن اتخاذ مثل هذه الخطوات وتعريض مسيرتهم الاحترافية لهذا الحجم من المخاطر الكفيلة بنسفها نصرة للقضية الفلسطينية يتطلبان شجاعة ووعياً وجرأة.

موقف "فيفا" السياسي وازدواجية المعايير تاريخياً

تاريخياً، عمد "الفيفا" إلى اتباع مبدأ الحياد السياسي تجاه معظم القضايا العالمية، ويمكن أن نجد أن الاتحاد الدولي لكرة القدم اكتفى بدور المحايد الذي يدير لعبة كرة القدم، بعيداً عن أي صراعات سياسية بين أعضائه.

ومن أبرز الأحداث التي تؤكد ذلك، عندما امتنعت منتخبات تركيا، إندونيسيا، مصر والسودان عن المشاركة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم في عام 1958، احتجاجاً على مشاركة منتخب "الكيان الاسرائيلي" في التصفيات الآسيوية بسبب احتلاله الأراضي الفلسطينية.

آنذاك، لم يقم "فيفا" بمنع المنتخب الإسرائيلي من المشاركة في التصفيات. بل نتيجةً لمقاطعة تلك المنتخبات، أقدم على منح المقعد الوحيد لقارتي أفريقيا وآسيا لمنتخب الكيان.

وبناءً على قوانين الاتحاد التي "تمنع أي منتخب من خوض بطولة كأس العالم  من دون المشاركة في التصفيات، باستثناء الدولة المضيفة"، كان على منتخب الكيان الإسرائيلي أن يلعب مباراة فاصلة مع أفضل منتخب غير متأهل من أوروبا. وفاز منتخب ويلز في تلك المباراة وشارك في بطولة كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه.

وفي حادث تاريخي آخر، رفض منتخب الاتحاد السوفياتي في عام 1974 المشاركة في التصفيات المؤهلة لكأس العالم ضد منتخب تشيلي في استاد سانتياغو الدولي. ويعود السبب وراء هذا القرار استخدام الاستاد إلى إعدام سجناء سياسيين يساريين خلال فترة حكم أوغستو بينوشيه. بعد ذلك، قرر الاتحاد الدولي لكرة القدم منح الفوز لمنتخب تشيلي.

أخيراً، إن "الحياد السياسي" لدى هذا الاتحاد يكيل بمكيالين، وإن عملية طوفان الأقصى فضحت قبح ازدواجية تعامل "فيفا" في التعامل مع الحرب الهمجية التي يقودها الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، سواء في غزة أو في الداخل الفلسطيني، مقارنة بالأحداث السياسية الأخرى التي شهدها العالم منذ تأسيسه.

إرسال تعليق