البشرية بين الذكاء الطبيعي والآلة: هل سنخسر القلب في سباق العقل الاصطناعي؟
أفادت وکالة آنا الإخباریة، منذ أن بدأ الإنسان رحلته في الإبداع والابتكار، حلم بصنع أدوات تُعينه على الحياة لا تُنافسه فيها. النار وفرّت الدفء، والعجلة سرعت الحركة، والحاسوب فكّر نيابة عنه. لكن في كل خطوة، كان الضوء الذي يُضيفه الإنسان لحياته، يرسم أيضاً ظلالاً تكشف حدود قوته وحدوده أمام آلاته.
اليوم، لم تعد الآلة أداة طيّعة، بل شريكاً منافساً في الفكر والقرار والإبداع. الذكاء الاصطناعي لم يعد حبيس المختبرات، بل صار جزءاً من جيوبنا وأعمالنا ومدارسنا وحتى مشاعرنا، ما يجعل الإنسان يفكر بظل الآلة وربما يعبر عن عاطفته من خلال برمجتها.
وهنا يطرح السؤال الفلسفي: هل يشعر الإنسان بالفخر حين تتفوّق عليه آلهته كما يفرح الأب بتفوّق ابنه؟ أم يشعر بالخوف والخذلان؟ الفارق الجوهر بين الطفل والآلة أنّ التفوّق عند الطفل استمرار للحياة، أما التفوّق عند الآلة فقد يسلخ الإنسان من معنى وجوده.
الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر حذّر منذ أكثر من قرن من أن الخطر ليس في الآلة نفسها، بل في أن يتحوّل الإنسان إلى آلة. اليوم، يبدو تحذيره واقعاً نعيشه: نقيّم الإنسان بالإنتاج لا بالإحساس، ونثق بالحساب أكثر من الحدس، ونترك شاشات تفكّر نيابة عنا.
وتجاوزت الآلات حدود الفكر إلى الجسد، مع وجود رحم اصطناعي وحمل صناعي في مختبرات باردة، تفتقد العاطفة، وكأننا بصدد إنجاب جيل مُبرمج بلا ذاكرة أو ملامح إنسانية.
الإنسان الحديث أصبح يبحث عن نسخته الأسرع والأدق، متناسياً أن الجمال يكمن في نقصه، وأن الروح لا تُشفّر، وأن الدموع لا تُنتج صناعياً. فالله نفخ في الإنسان روحاً، والإنسان نفخ في آلته "كوداً" بلا رحمة.
يبقى السؤال المحوري: هل سيأتي يوم تستقل فيه الآلة عن الإنسان، لا لتدمّره بل لتستغني عنه؟ حينها سيكتشف الإنسان أنه لم يصنع خليفة بل مرآة تعكس هشاشته، وأن الذكاء بلا وجدان هو ضرب من العدم.
الخطر الحقيقي لا يكمن في عقل الآلة، بل في فقدان الإنسان قلبه في سباقه معها. فحين تنطفئ المشاعر، سيبقى العقل على الأرض، لكن لن يشعر أحد.