اسرائیل وانتهاک قواعد القانون الدولي الإنساني فیما یخص الصحفیین
وفقا لوکالة آنا الإخباریة، هي سلسلة من الممارسات التي كان آخرها مقتل 20 صحفيًّا وإصابة عشرات آخرين، إضافة إلى تدمير 50 مؤسسة صحفية بالكامل، أو التي دمرت جزئيًّا، خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وفق أرقام نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ليطرح سؤال جديً حول موقف القانون الدولي الإنساني من انتهاكات إسرائيل؟
يستهدف الاحتلال أسر الصحفيين، فينشغل الصحفي بالبحث عن الأمان لعائلته، أكثر من سعيه لتغطية الأحداث، كما يخشى الصحفيون من استهدافهم أثناء سيرهم في المركبات أو تواجدهم في أماكن الحدث المباشر، وعدم توفر المكاتب، ونقص الكاميرات والمعدات الصحفية والأجهزة وعربات البث، وعربات نقل الأخبار بعد أن تم استهداف الكثير منها.
إن الاستهداف المباشر المقصود بحقّ الصحفيين يُشكّل قتلا للحقيقة، ويمثّل جريمة حرب، بموجب نظام المحكمة الجنائية الدولية - نظام روما الأساسي لسنة 1998، إذ إنّ الاعتداء على الصحفيين لا يؤخذ بسياقٍ أحاديّ لمجرّد اعتباره جريمة، بل يدخل في إطار تصنيف أشد انتهاكاً بموجب هذه القواعد المشار إليها.
إن العالم يعيش اليوم حالة أزمة مبرّرة مع مفهوم القانون الدوليّ بسبب إفلات الاحتلال الإسرائيليّ من المساءلة - أو حتى المسؤولية - تجاه جرائم الحرب المرتكبة بحقّ المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ ، وكذلك غياب التدابير الفعليّة على الجرائم المرتكبة بحقّ الصحفيين. تداعيات هذه الأزمة ستجد لها أفقاً أوسع ما بعد الأزمة والكارثة الإنسانيّة في قطاع غزة".
ونص قرار مجلس الأمن رقم 2222 على ضرورة حماية الصحفيين والإعلاميين والأفراد المرتبطين بهم الذين يغطون حالات النزاع كمدنيين، ويشير القرار أيضا إلى أن المعدات والمكاتب والأستوديوهات الإعلامية هي أصول مدنية وليست أصولا أو ممتلكات عسكرية، وبالتالي، يجب ألا تكون هدفا لهجمات أو أعمال انتقامية.
لذلک «القواعد التي يجب تطبيقها على الصحفيين تتمثل في عدم استهدافهم بالقتل والتشويه والتعذيب أو أخذهم كرهائن ومعاملتهم معاملة قاسية مهينة للكرامة أثناء العمليات العسكرية وكذلك عدم استهداف مقراتهم ووسائلهم التي يستخدمونها في نقل أخبار الحرب، وفي حال أملت الضرورات الحربية التعرض بالهجوم لأماكن قد يتواجد فيها صحفيين، يتوجب على قوات الاحتلال أن توجه إنذارا بوسائل مجدية حتى يتسنى لهم مغادرة المكان المستهدف».
کما تشمل قواعد القانون الدولي الإنساني التي تحمي الصحفيين،حماية المَرافق والأماكن الإعلامية المدنية، منع معاملة الصحفيين بشكل قاس أو غير إنساني في حال التوقيف، ومنع مصادرة أو تدمير المعدات والوثائق الصحفية.
وفيما يتعلق باتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 فهي تعنى بحماية المدنيين وقت النزاعات الدولية، وتتضمن مادة – كما في كل اتفاقيات جنيف الأربع – للحماية في حالة النزاعات المسلحة غير الدولية. كما أنها تحمي المدنيين تحت الاحتلال، والأعيان المدنية أي المساكن والمدارس والمنشآت، وتحمي أيضا المستشفيات وأماكن العبادة و تحمي هذه الاتفاقية الصحفيين بوصفهم مدنيين فقط، حيث إن تعريف الشخص المدني ينطبق على الصحفيين، فقد عرفت الاتفاقية المدني بأنه الشخص الذي لا ينطبق عليه تعريف المقاتل.
وحتى الآن لم يحاسَب جيش الاحتلال الإسرائيلي على اعتداءاته ضد الصحفيين، فيما سبق وأعلن كل من الاتحاد الدولي للصحفيين ونقابة الصحفيين الفلسطينيين والمركز الدولي للعدالة للفلسطينيين "ICIP"، تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية يتهمون فيها إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" بحقّ صحفيين في الأراضي الفلسطينية.
وفي مارس/آذار 2021 قررت المدعية العامة السابقة بالمحكمة الجنائیة الدولية (فاتو بنسودة)، فتح تحقيق في هذه الأحداث، لِمَا استقر لديها من وجود "أساس معقول لفعل ذلك وفقاً لمعايير نظام روما الأساسي"، حسبما ذكرت المدّعية في بيان سابق.
وأن استهداف القوات الإسرائيلية الصحفيين في غزة رغم وضعهم إشارة "صحافة" يدل على أن هناك تعمداً لدى الاحتلال، مبيناً أنه من الشروط التي استندت عليها جنوب إفريقيا خلال إحالتها حرب غزة إلى محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "جريمة إبادة".
و تثور المسؤولية الدولية عندما تدعي دولة بان ضررا قد اصابها، وتطالب بالتعويض، وهذا الضرر يمكن ان يكون:
1 - خطأ مباشر ( كاالعتداء على علم الدولة او اهانته)
2 - الإخلال بالقانون الدولي ( كانتهاك احكام معاهدة)
3 - ضرر واقع على احد رعايا الدولة.
اذ من حق هذه الدولة ان تحمي رعاياها( الصحفیین الفلسطینیین أو من جنسیات مختلفة) الذين تضرروا من جراء الأعمال المخالفة للقانون الدولي التي ترتكبها دولة اخرى( کالکیان الصهیوني المحتل)، اذا لم يتمكنوا من الحصول على حقوقهم بالطرق العادية، لأن الأضرار التي تصيب الأفراد لا تنشأ عنها مسؤولية دولية مباشرة بين هؤولاء الأفراد والدولة التي يقيمون في اقليمها، بل تكون المسؤولية بين الدولة التي ينتمي اليها الأفراد ، وبين الدولة المسئولة عن الضرر. إذا حملت المسؤولية الدولية لأحد أشخاص القانون الدولي، ينشأ عنها التزام يقع على عاتقه بإصلاح كل ما يترتب على فعله من أضرار.
وقد أكد العرف والفقه والقضاء الدولي وقرارات المحافل الدولية وما نصت عليه اتفاقيات دولية عديدة تتعلق بالمسؤولية الدولية والعرف الدولي، التزام الدولة المسؤولة إصلاح الضرر بطريقة كافية.
يمكن تعريف إصلاح الضرر بأنه مجموعة التدابير التي تقوم بها الدولة المعتدية (المدعى عليها) بغية إصلاح الضرر. وعلى العموم فإن إصلاح الضرر هو مجموعة الإجراءات الواجب اتخاذها من قبل الدولة التي اقترفت الخطأ بغية إصلاح جميع ما ترتب على فعلها الخاطئ من أضرار.
مصطلح إصلاح الضرر أفضل من مصطلح التعويض وذلك لشمول الأول كل ما يزال به آثار الفعل غير المشروع، بداية من وقوعه مرورًا بالتعويض وصولاً إلى الاعتذار عنه ومعاقبة مقترفيه وغير ذلك من أشكال الترضية. أما التعويض فإنه يقتصر على تقويم الخسارة بمبلغ من المال يدفعه المعتدي للمتضرر تعويضًا عما ألحقه به.
القاعدة التي تنص على أنّ الدولة مسؤولة عن "كافة الأعمال التي يقترفها الأشخاص الذين يشكلون جزءاً من قواتها المسلحة" قاعدة قديمة العهد في القانون الدولي العرفي، وردت في المادة 3 من اتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية (لاهاي 18 أكتوبر/تشرين الأول 1907)، وأعيد النص عليها في المادة 91 من البروتوكول الإضافي الأول.
وهي تطبيق للقاعدة العامة بشأن مسؤولية الدولة عن الأعمال غير المشروعة دولياً، والتي تعتبر الدولة وفقاً لها مسؤولة عن تصرفات أجهزتها. وتعتبر القوات المسلحة جهازاً من أجهزة الدولة، كأيّ كيان آخر من السلطات التنفيذية، أو التشريعية، أو القضائية للدولة. وينعكس تطبيق هذه القاعدة العامة في نسبة المسؤولية إلى القانون الدولي الإنساني، في اتفاقيات جنيف الأربع التي تنصّ على وجود مسؤولية على الدولة بالإضافة إلى ضرورة محاكمة الأفراد على ارتكاب الانتهاكات الجسيمة.
وقد أعيد التأكيد على المبدأ القائل بوجود مسؤولية الدولة بالإضافة إلى المسؤولية الجنائية الفردية في البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية. كما أنّ الدولة مسؤولة أيضاً عن تقصير أجهزتها عندما يقتضيها الواجب القيام بعمل ما، كما هي حال القادة والأشخاص الآخرين الأرفع مقاماً، المسؤولين عن منع جرائم الحرب والمعاقبة عليها وينعكس هذا المبدأ في المادة 2 من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، والتي تنصّ على أنّ الفعل غير المشروع دولياً يمكن أن يتكّون من "عمل أو إغفال".
وفقا لکل ما ذکر فإم الکیان الصهیوني المحتل مسؤول عن کل عملیات قتل الصحفیین في الأراضي الفلسطینیة المحتلة وهو بذلک خالف کل القوانین والأعراف الدولیة التي تؤکد علی حمایة الصحفیین لأنهم یعتبرون من المدنیین وهو ما أکدت علیه اتفاقیات جنیف الأربعة. لذلک فکل دولة ینتمي لها الصحفیین (فلسطینیة أو غیرها) یمکنها أن ترفع دعوی ضد الکیان المحتل أمام محکمة العدل الدولیة للمطالبة بالخسارة ورفع الضرر؛ لکن طبعا هذا الأمر لیس سهلا لأن الترافع أمام محکمة العدل الدولیة له قواعد تحکمه یجب توفرها.
کذلک یمکن الترافع أمام المحکمة الجنائیة الدولیة (المحكمة الجنائية الدولية تنظر فقط في قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية وجرائم ابادة جماعیة) بتهمة ارتکاب قادة الإحتلال وضباطه جرائم حرب (جراء قتل الکیان الصهیوني المحتل للصحفیین) لکن أیضا هذا الطریق شائک لأن الترافع أمام هذه المحکمة یکون من خلال إحالة القضیة من الدول الأطراف (واسرائیل لیست عضوا في المحکمة)، أو من خلال مجلس الأمن الدولي أو قبول الدول الإحالة في قضیة معینة أو اجراء تحقیق من قبل المدعي العام للمحکمة وللأسف کل هذه الأمور بعیدة التحقق الآن.
کما یمکن لبعض الدول ممارسة الإختصاص العالمي ومحاکمة قادة الإحتلال علی أراضیها؛ لکن هذا الأمر یحتاج الی ارادة ووجود قوانین وطنیة تسمح بهذا الشيء وکذلک تجریم مثل هذه الأعمال داخل القوانین الوطنیة والقبض علی المجرمین وغیرها من الأمور الأخری.