بلازما النقاهة تفيد مرضى كورونا ضعفاء المناعة.. لكن ما مشكلتها؟
أفادت وکالة آنا الإخباریة، وحلّل التّقرير المنشور في مجلة "JAMA Network Open" نتائج 9 دراسات، ووجد أن مرضى "كوفيد-19" الذين يتعرضون لنقص المناعة كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 37% عند حصولهم على بلازما النّقاهة، وهي من منتجات الدّم الغنيّة بالأجسام المضادة والمشتقّة من أشخاص تعافوا من الفيروس.
ورُغم أن استخدام بلازما النّقاهة لعلاج مرضى كورونا ضعفاء المناعة أمر قانوني، إلا أنّ الإرشادات الحكوميّة محايدة بشأن ما إذا كان العلاج ناجحًا، ولذلك تقدّمه بعض المستشفيات، ولكن بعضها الآخر لا يفعل ذلك.
وقال خبير الأمراض المعدية في جامعة "جونز هوبكنز"، وأحد مؤلّفي الدّراسة الجديدة، الدكتور أرتورو كاساديفال: "ما يُقلقنا هو أن العديد من المرضى الذين يحتاجون إليها (بلازما النّقاهة) لا يحصلون عليها"، ثم أضاف: "هذا مهم حقًا لأنّه يمكن علاج هؤلاء الأشخاص، ويمكنهم الحصول على نتائج أفضل باستخدام هذه المواد إذا استطعنا نشر الخبر".
وأشار كاساديفال إلى أنّه من مصلحة الجميع علاج المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة بسرعة.
ويعاني الأشخاص الذين لديهم ضعف المناعة في بعض الأحيان من مرض "كوفيد شديد" لعدّة أشهر لافتقارهم إلى الأجسام المضادة لمكافحته، ما يمنح الفيروس الكثير من الفرص للتحوّر في جسم الشخص.
وقال طبيب التخدير في "مايو كلينيك"، ومؤلف مشارك آخر في الدراسة، الدكتور مايكل جوينر:"هؤلاء المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة هم في الأساس مصانع للمتغيّرات".
ويعاني حوالي 7 ملايين شخص من ضعف المناعة في الولايات المتحدة، وثبت أن علاجهم عند إصابتهم بـ"كوفيد-19" أمر صعب، فلا يستطيع الكثير منهم تناول عقار "باكسلوفيد" المضاد للفيروسات لأنه يتداخل مع الأدوية الأخرى التي يستخدمونها.
ولكن تقول إرشادات علاج "كوفيد-19" الصّادرة عن المعاهد الوطنية للصحة (NIH) إنّه لا توجد أدلة كافية للتوصية إما باستخدام أو عدم استخدام بلازما النّقاهة للأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة.
ولثلاث مرّات في العام الماضي، كتب كاساديفال وجوينر وعشرات من الأطباء الآخرين من "هارفارد"، و"ستانفورد"، و"مايو كلينيك"، و"كولومبيا"، وغيرها من المراكز الطبيّة الأكاديميّة رسائل بالبريد إلكتروني إلى العلماء في المعاهد الوطنيّة للصحة، وأرسلوا لهم مواد بحثيّة تحثّهم على تعديل الإرشادات، ولكنّهم لم يتلقوا أي رد.
وقال بعض المدافعين عن المرضى إنّهم يشعرون بالغضب.
وذكرت المؤسِّسة المشاركة لمجموعة مناصرة خاصة بمتلقي عمليات زرع الأعضاء، والمرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، جانيت هاندال : "نقص الاستجابة هذا يُثير غضب الباحثين".
ووجدت العديد من التجارب السريريّة العشوائيّة الكبيرة التي أُجريت على عامّة السكان، بما في ذلك واحدة في الهند، وواحدة في المملكة المتحدة، أن بلازما النّقاهة لم تقلل من وفيات "كوفيد-19"، أو تمنع المرض الشديد، ولم يعد العلاج مسموحًا به في الولايات المتحدة للأشخاص الذين يتمتّعون بأجهزة مناعة صحيّة.
والدراسات التسعة التي تم تحليلها في التقرير الجديد أصغر بكثير، وتدرس فقط المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة.
وقال الأستاذ بجامعة "أكسفورد"، والباحث رالئيسي المشارك في الدراسة الكبيرة التي اُجريت في المملكة المتحدة، الدكتور بيتر هوربي، إنّه ينبغي إجراء تجربة سريريّة عشوائيّة كبيرة على المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة قبل تغيير إرشادات الممارسة السريريّة لهذه المجموعة.
تاريخ بلازما النّقاهة خلال جائحة كورونا
وفي بداية الجائحة، كان هناك حماس كبير تجاه بلازما النّقاهة، وسعى النّاجون من "كوفيد-19" لإنقاذ الأرواح، والتبرّع بالأجسام المضادة للفيروس للأشخاص الذين كانوا على عتبة الموت أحيانًا.
وفي أغسطس/آب من عام 2020، منحت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) العلاج إذن الاستخدام الطارئ، ولكن تساءل البعض عمّا إذا كان لذلك القرار دوافع سياسيّة، وإذا أظهرت البيانات نجاحه حقًا.
وبعد ذلك، أشارت التجارب السريريّة الكبيرة إلى أن بلازما النّقاهة لا تعمل، ولكن كان هناك استثناء واحد.
وقال هوربي إن دراسته وجدت "بعض الأدلة لبعض الفوائد" عند مرضى "كوفيد-19" الذين لم يطوّروا أجسامًا مضادة للفيروس.
ومن المرجّح أن يشمل ذلك المرضى الذين يعانون من ضعف المناعة لأن أجهزتهم المناعية المعطّلة لا تنتج دائمًا الأجسام المضادة بالطريقة التي ينبغي لها ذلك، وحتّى بعد الإصابة.
وعندما تلقّت مجموعة المرضى هذه بلازما النّقاهة، كانت فترة إقامتهم في المستشفى أقصر بقليل، وكان احتمال ضرورة استخدامهم لأجهزة التنفس الاصطناعي أقل مقارنةً بمرضى مماثلين لم يتلقوا بلازما النّقاهة.
وأشار جوينر وكاساديفال إلى أن هذه النتيجة، ونتيجة مماثلة في تجربة كبيرة في أستراليا، وكندا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، بالإضافة إلى نتائج دراسات أصغر، تعمل كمؤشّر على أن بلازما النّقاهة تستحق المحاولة عندما يأتي الأمر للمرضى الذين يعانون من ضعف المناعة.
"شعرت كنصف شخص"
ويمكن للمرضى الذين يعانون من ضعف المناعة، والذين يُصابون بـ"كوفيد-19" الحصول على بلازما النّقاهة بسهولة نسبيًا إذا كانوا مرضى مراكز طبية معينة.
ولكن قد يواجه العديد من الأشخاص صعوبةً في الوصول للعلاج.
واستغرقت برناديت كاي من مانهاتن بيتش في ولاية كاليفورنيا الأمريكية شهورًا للحصول على العلاج.
وأُصيبت كاي، البالغة من العمر 64 عامًا، والتي تعاني من ضعف في جهاز المناعة بسبب دواء تتناوله لعلاج التهاب المفاصل الروماتويدي، بـ"كوفيد-19" في يوليو/تموز.
ورُغم استخدامها لنوعين من الأجسام المضادة وحيدة النسيلة، إضافةً لعقاري "ريمديسيفير" و"باكسلوفيد" مرّتين، إلا أن نتائج اختبارات كورونا الخاصة بها بقيت إيجابيّة على نحوٍ متقطّع لأشهر، وكانت تعاني من التعب، والاحتقان، والصّداع.
وقالت كاي: "شعرت كنصف شخص"، وأضافت: "لم أكن شخصًا سليمًا من النّاحية الجسديّة. وكنت معاقة بسبب نقص الطّاقة".
وذكرت كاي أنّها قابلت عدّة أطبّاء، ولم يقترح أي منهم استخدام بلازما النّقاهة.
"واجهنا العديد من العقبات"
وأوضح جوينر أنّه أثناء انتظاره ومجموعة من زملائه الرّد على رسائلهم المُرسلة إلى المعاهد الوطنيّة للصحة، قامت المجموعة بتشكيل مشروع "كوفيد-19" الوطني لبلازما النّقاهة، وهم يعقدون اجتماعًا هاتفيًا كل ليلة خميس لمناقشة تقدّمهم.
وقالت رئيسة قسم الأمراض المعدية في كلية ألبرت أينشتاين للطب، الدكتورة ليز آن بيروفسكي: "واجهنا العديد من العقبات"، وأضافت: "لا يُنظر إليها (بلازما النّقاهة) على أنّها جزء من ترسانة علاج كوفيد-19".
وأوضح بيروفسكي، وجوينر، وكاساديفال أنّهم لا يتلقون أي فوائد ماليّة لبلازما النّقاهة، وهم يعتقدون أن من أحد أسباب عدم استخدام بلازما النّقاهة على نطاق واسع هو عدم وجود شركة أدوية تُنفق الأموال للترويج لها.