ايران والثورة الصناعية الرابعة
وکالة آنا الاخباریة؛ وإن لم يك الأمر مستجداً، فبينما يعلم الجميع أن التكنولوجيا تُقدم عموما كمنتج مستورد في البلدان النامية، في غالبية الأحيان، لا يأخذ المُصممون في الاعتبار ملاحظات بلد المقصد لتلك التكنولوجيا.
مصطلحات عديدة تترجم ما كنا نريد قوله في الأسطر القليلة الآنفة، فتسهيل الاتصال يعني أنه يمكنك التواصل مع أبعد نقطة على الأرض في جزء من الثانية، والإنتاج بات تعريفه واضحاً حيث أنه من خلال عمليات الأتمتة والتي تترافق مع ميكنة الصناعات، باتت القوى البشرية المتخصصة عطيلة لا حاجة لها، وسلسلة التوريد للمنتجات من خلال آليات قائمة على الحوسبة السحابية والحوسبة الإدراكية الأمر الذي أفضى الى تكامل الأتمتة في جميع مستويات حياة المواطن المنضوي نحت كنف الطبقة الوسطى.
واليوم على خلفية تجلّي تقنيات من قبيل إنترنت الأشياء والحوسبة السحابية والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي، بتنا قابين قوسين أو أدنى من إنطلاق الثورة الصناعية الرابعة، سيتمخّض عن الثورة الصناعية الرابعة في بلد على غرار إيران بشكل خاص مجموعة من السمات الإيجابية، على سبيل المثال، يمكننا أن نذكر التحسن العام في نوعية الحياة. للعديد من الأسباب، باتت الخدمات التي تم تقديمها في البلدان المتقدمة لمدة عقدين أو ثلاثة عقود شائعة في ايران اليوم وفقط في السنوات الأخيرة بفضل الذكاء الاصطناعي. تنتمي هذه الفئة إلى برامج مثل الخدمات المصرفية الإلكترونية ، وسيارات الأجرة الذكية، وطلب المنتجات عبر الإنترنت، والدفع عن بُعد (المحاسبة الإلكترونية للبضائع)، وغيرها من السمات التقدّمية.
وفي ضوء هذا التسارع، من غير المستبعد أن تُفضي الثورة الصناعية الرابعة في إيران إلى تقليل العقبات أمام ريادة الأعمال. حيث باتت المسافة بين البيئات الأكاديمية والصناعات في إيران تتّخذ اتجاهًا ثابتا لعقود من الزمن، ولا يجد الأكاديميون في كثير من الأحيان مرافق وأرضيات خصبة كافية متاحة لتنفيذ أفكارهم وتطويرها، لذلك يجب عليهم متابعة برامجهم في الخارج. أو التخلي عن أفكارهم التقدمية والتكيف مع أنفسهم بما ينسجم مع البنية التحتية الراهنة. من المتوقع أن يتم تقليل هذا الحاجز الرئيسي للمخترعين والأكاديميين باستخدام التقنيات الجديدة مثل الطابعات ثلاثية الأبعاد أو أجهزة الكمبيوتر العملاقة التي ستوفّر لهم أرضية خصبة لتطبيق أفكارهم.
لهذا ولأسباب أخرى، بالنسبة الى بلد يمتلك اقتصاد شبه حكومي كالجمهورية الإسلامية الإيرانية، يعد تحليل التدفقات الاقتصادية مهمة دقيقة وصعبة. المساعدين الآليين (الروبوتات المختصة في هذا المجال) أسرع وأكثر دقة وأرخص من المساعدين البشريين وليس لديهم حواجز مثل قيود الوقت والتكاليف العامة، ويؤدون مهامهم على أسرع وجه دون أي قصور.
بعيدا عن هذه القراءة العلمية الواعدة، تلوح في الأفق حقيقة واضحة وهي أنه باستثناء المدن الإيرانية الكبرى، لا توجد ناطحات سحاب ومقاهي وعناصر من الحياة الحضرية الفاخرة في القرى والبلدات الصغيرة، كما أن وضع المناطق المحرومة جليّ بشكل جيد، لذلك في مثل هذه الحالة تسمح تقنية "ميتافيرس" (فضاء افتراضي ثلاثي الأبعاد مشابه للعالم الحقيقي) بدخول عدد كبير من البشر، وتوفر عالمًا افتراضيا يمكن تصديقه وقد لا يتحقق مثاله المادي أبدًا، علينا أن لا نتغافل أيضاً عن حقيقة أن النقاش لا يتعلق بالحلم فقط، فالفنان الإيراني الذي ليس مقيما في المركز لديه فرصة ضئيلة للتقدم في مجال الفن، ولكن بفضل ميتافيرس، يمكن لهذا الشخص تقديم أعماله في المزادات الدولية.
رغم التوضيحات السالفة، لنلج بشكل أكبر في الثورة الصناعية الرابعة ولنقوم بالنظر إليها من زاوية أخرى. العديد من التنبؤات تشير إلى أنه في السنوات القادمة، بينما سيزداد الطلب على العمال ذوي المهارات العالية والمتخصصين للغاية، ستنخفض الحاجة إلى العمالة ذات المهارات المنخفضة تدريجياً إلى الصفر. على الرغم من أن ايران من الناحية الكمية أحد أكثر البلدان التي تنتج العلم في العالم، إلا أنه من الناحية العملية، بسبب المسافة بين الجامعة والصناعة، فإن هذه القوة العاملة المتعلمة غالبا ما تفتقر إلى المهارات الأساسية. وغني عن القول، إن هذا التحدي موجود حتى بالنسبة للبلدان المتقدمة، وسيواجهون أيضًا بطالة هائلة، لكن الاختلاف هو أنه من المحتمل أن نواجه مشكلة في تأمين تلك القوة العاملة فائقة التخصص في قادم الأيام.
المسألة الأخرى التي سنتطرق لها في هذا المقال هي القضية الأمنية، إذ عندما يكون الأمن ماديا فيزيكيا، يمكننا وضع شخص كبير أمام كل باب لمنع الوصول غير المصرح به، لكن في الثورة الصناعية الرابعة، من المفترض أن يكون كل شيء متصلا، لذا فإن خطر اختراق البيانات والتلاعب بها أو إمكانية استغلالها لأغراض ضارة مرتفع للغاية، في هذا السياق، يبدو أن البلدان الأقل استعدادًا من الناحية الفنية والبنية التحتية للتغيرات التي يسببها التقدم التكنولوجي ستعاني أكثر وبشكل أكبر من المتوقع. في الحقيقة، وفقا للخبراء، إذا لم نتصرف بأسرع وجه، لابد لنا أن نعد أنفسنا بشكل متزايد لسماع أخبار مروعة ناجمة بشكل مباشر أو غير مباشر عن إختراق أمن المعلومات.
غني عن التعريف أن نقول أن طبيعة الخصوصية ستواجه تحديا لا يمكن الإستهانة به، لا سيما مع الاستخدام المتزايد لأدوات تحليل البيانات وبرامج التعلم الآلي. لعدة أسباب، يحجم الإيرانيون عن استخدام الشبكات الاجتماعية والمنصات المحلية، ومع التقدم في مجال التعلم العميق، ستتفاقم مخاطر استخدام البيانات العامة والتلاعب بها واستخدامها لتحقيق مكاسب شخصية بشكل كبير. على سبيل المثال، تم الكشف في عام 2018 أن البيانات الشخصية لملايين مستخدمي موقع التواصل الإجتماعي فيسبوك قد تم جمعها دون موافقتهم من قبل شركة الاستشارات البريطانية کمبریج آنالیتیکا واستخدامها بشكل أساسي للإعلان السياسي ولضرورات تخدم سياسيي بريطانيا. من دون أدنى شك هذه مجرد أمثلة قليلة على انتهاكات البيانات التي تم تسريبها عن طريق الصدفة، والوضع في الحقيقة متردّ أكثر مما هو عليه إن أمعنا النظر.
في ختام هذا المقال، سواء أرغبنا بذلك أم لا، نحن على وشك الولوج في حقبة جديدة، حقبة يسميها عشاق التكنولوجيا بالثورة الصناعية الرابعة. هذا الحدث سيؤثر علينا وعلى مجتمعنا من نواح عدّة وسيسهل أسلوب حياتنا وعملنا، لكن يجب أن نكون يقظين لأننا إذا نحضّر أنفسها للحقبة الجديدة الوافدة فسوف نسحق تحت عجلاتها الضخمة.
مقال بقلم: نويد فرخي (مؤلف كتاب "علم لمن يتجنب العلم")